بقلم : د/ خالد منتصر
كتب الاستاذ انور
وجدى فى عموده الاسبوع الماضى متسائلا عن سبب تخلفنا ، و انطلق من حادثتين
التقطهما بمنتهى الذكاء ، الاولى هى تصريح د.فاروق الباز و حديثه عن عقدة المؤمرة
التى تتلبسنا و التى ادت بنا ان نتخلف و نصبح فى الدرك الاسفل و ذهلنا فيه
بالمقارنة المخجلة بين عدد براءات الاختراع العربية و الكورية و الحادثة الثانية
هى الهجوم الذى تعرض له الكاتب اسمة انور عكاشة من بعض رجال الدين لانه تعرض
بالنقد للصحابى هو عمربن العاص ، و اعتقد ان الربط بين الحادثتين مهم لتشخيص المرض
العربى الذى جعلنا فى اخر طابور العالم بل تشيرالتنبؤات باننا سنلقى مصير الهنود
الحمر قريبا ! و بنظرة سريعة على منهج تعليم ازهرى درسة 99% ممن يحملون على عاتقهم
مسئولية تنويرنا الدينى و الفكرى و الذين يملكون منابر اقوى من جميع الاحزاب
المصرية مجتمعة ، تعالوا نطلع معا على الكتب التى يقرأها هؤلاء و تشكل وعيهم و
ماذا تقدم من فكر و سنعرف و سيعرف معنا الاستاذ انور وجدى لماذا تخلفنا ؟ ولماذا
تم اغتيال المنهج العلمى فى بلادنا ؟ وسنعود فى تلك القراءة لكتب الفقه المقررة
على المدارس الازهرية مثل " الروض المربع بشرح زاد المستنقع " وهو
للمذهب الحنبلى و تم تأليفة منذ اربعة قرون و كتاب المذهب الشافعى " الاقناع
فى حل الفاظ ابى شجاع " و تم تأليفه ايضا منذ اكثر من اربعة قرون وكتاب
المذهب الحنفى " الاختبار لتعليل المختار " و هو مؤلف منذ اكثر من خمسة
قرون اما احدثهم و هو كتاب المذهب المالكى " المقرر من الشرح الصغير "
فهو مؤلف منذ قرنين ! و بالطبع اول ما سيفاجئنا هو هذه المدد الزمنية البعيدة التى
لابد ان تحمل معها الغريب من الالفاظ و المهجور من الافكار التى طالما نادى
المستنيرون من المسلمين بتطويرها و من اهم الدراسات التى ناقشت هذا التغيير دراسة
علاء قاعود و احمد صبحى منصور و سليم العوا و طارق البشرى و ايضا شيخ الازهر نفسه
الذى نادى كثيرا بالتغيير و هاجمه المتزمتون و سنحاول التركيز على اشياء محددة
بعينها فى هذه المناهج نستطيع ان نخلص منها الى خطورة تبنيها و الاعتماد عليها لانها
ببساطة هى تفريخ منظم الارهاب الخفى أو على الاقل افراز مستمر للجمود و التزمت و
هذه الاشياء هى :
1.
الحشو و اللغو و غريب القول :
فى القرن الواحد و
العشرين يقرأ تلاميذ الازهر عن كيفية الطلاق اذا قال الرجل لزوجته سأطلقك اذا كان
هذا الطائر المجهول غرابا و يظل التلاميذ يحلون هذا اللغز العويص عن ماذا لو طلع
الغراب فعلا وما هو الحل اذا ظهر ابوقردان مثلا ؟! " صفحة 377 الروض المربع
" و ماذا نفعل نحن المساكين الذين امرنا بأن نسجد على سبعة اعظم هى الجبهة و
اليدين و الركبتين و اطراف القدمين ، ماذا يفعل من خلق برأسين و اربع ارجل ؟
" ص 205 نفس الكتاب " بالذمة ده كلام انا مش حاقول حاجة و اترك لكم الرد
على هذا الخيال الهوليودى المحلق !! و بالذمة ماذا يستفيد اطفالنا و شبابنا من
قراءة كلمات غريبة مهجورة مثل لا يجوز لبس السرموزة و الجمجم ، او لاباس على
المرأة ان تصل شعرها بقرامل و هى الاعقصة ، و يجوز المسح على الجرموق و يحب ان
يعرف عفاصها ..الخ اما المقاييس و الانصبة و الاوزان و المكاييل التى تستعملها تلك
الكتب فهى كطلاسم اللغة الهيروغليفية او شفرات اللغة الصينية فمازال الطلبة
مطالبين بالقياس بالقلة و الوزن بالرطل الدمشقى و المثقال العراقى او قصر الصلاة
اذا كانت المسافة ستة عشر فرسخا و الكيال من اجل الزكاة هو السق الذى هو ستون صاعا
يا سلام قال احنا عارفين الصاع اصلا و لابد ان نأخذ فى الاعتبار الدرهم الأسلامى
الذى هو ستة دوانق !!! وهذه مجرد عينة بسيطة جدا من تلك الالفاظ الغريبة المهجورة
و الالغاز الشاذة المطالب بحفظها و حلها الغلابة من ابنائنا و اخوتنا طلبة الازهر
اما السلوكيات و العادات التى كانت بنت وقتها فهى ايضا مشروحة بالتفصيل الممل ، و
الكارثة انها تقدم فى شكل اوامر فقهية واجبة الطاعة ففى باب وليمة العرس و اداب
الاكل " الاكل مما يليه بثلاثة اصابع وتخليل ما علق بالاسنان و مسح الصحفة و
اكل ما تناثر و الشرب مصا......الخ و فى كتاب البيع يحرم التسعير و يحرم بيع الكلب
و فى فصل صلاة الجنازة ص 328 من المقرر الشافعى " ان ترك المريض التداوى فهو
افضل " يعنى الاحسن نلغى التأمين الصحى من مدارس الازهر و نستريح و نوفر و
عندما يذكر الكتاب شروط من تقبل شهادته يؤكد على انه لا شهادة لمغن او لمن يأكل
بالسوق يعنى بأختصار لا شهادة للسيدة ام كلثوم و بالطبع هشام عباس و امثاله من
الصابئة ، طبعا الشهادة لحضرتك قارئى العزيز فى المحاكم لاننى متأكد من انك قد تناولت على الاقل سندوتش
طعمية او كنتاكى فى الشارع ! وبذلك تكون قد خسئت و صرت من مساخر البشر الذين لا
تقبل شهادتهم حسب قوانين كتب الازهر الشريف .
2.
مخالفة العلم الحديث :
تصدمنا مقررات الفقه
فى الازهر انها لا تجافى فقط اللغة الحديثة و انما تجافى و تخاصم العلم الحديث
فالمهم عندهم هو ماذا قيل فى الكتب القديمة و ليس ما قيل فى محافل العلم الحديث
فاعظم ما يجتهد فيه التيار المحافظ فى الازهر هو شرح الشرح و تلخيص التلخيص و طبخ
ما سبق طبخة و تقديمة للطلبة فى وجبة " بايتة " و عليهم ان يأكلوها بل و
بنفس مفتوحة و الامثلة على تجاوز العلم لما تقوله هذه الكتب كثيرة و اضخم من ان
تضمها صفحات جريدة و لذلك سنقتبس فقط بعضها ليدل البعض على فداحة الكل فنقرأ مثلا
فى صفحة 389 من كتاب الفقه الحنبلى السابق ذكره ان اقصى مدة للحمل هى اربع سنين !
فهل هذا معقول واذا كان مؤلف الكتاب معذور لانه الف هذا منذ اربعة قرون فالازهر
مقصر و غير معذور فى تبنيه لمثل هذا الهراء العلمى و فى ص 119 يتحدث الكتاب عن
التداوى ببول الابل ... و فى ص 50 فى باب الاذان يسن للمؤذن ان يجعل سبابتيه فى
اذنيه لانه ارفع للصوت و فى ص 72 تبطل الصلاة بمرور كلب اسود لانه شيطان و الكلام
الغريب عن دم الحيض الذى يقول عنه الكتاب فى صفحة 43 انه يخرج من قعر الرحم لحكمة
غذاء الولد و تربيته و هو كلام كوميدى عفا عليه الزمن و فى كتاب الجنائز عن علامات
الموت يقول انه يعرف بانخساف الصدغين و ميل الانف و انفصال الكف و استرخاء الارجل
ص120 ! و هو ما اعتمد عليه الفقهاء المحافظون فى تأخير قانون زراعة الاعضاء و رفض
الموت الاكلينيكىالذى تحدده احدث الاجهزة الطبية و فى كتاب المذهب الشافعى نفس
الكلام المجافى للعلم مثل يستثنى من النحس الميتة التى لا دم لها سائل مثل القمل و
البرغوث و ان الماء بالليل مأوى الجنص 76 و ان التنشيف بذيل الثوب بعد الوضوء يورث
الفقر ص 69 ولابد من طى الثياب ليلا حتى لا يتلبسها الجن ليلا ص 310 و فى ادب قضاء
الحاجة ص 80 " يكره حشو مخرج البول من الذكر بالقطن و اطالة المكث فى محل
قضاء الحاجة لانه يورث وجعا فى الكبد " و حتى الظواهر الطبيعية لم تسلم من
الشطح فالرعد ملك و البرق اجنحته يسوق بها السحاب " ص 302 و اقرأوا هذا
التعريف العجيب للنوم الذى كتب فى ص 84 بأنه استرخاء اعصاب الدماغ بسبب رطوبات الابخرة
الصاعدة من المعدة !! اعتقد اننى استنفدت علامات التعجب كلها فمعذرة ، اما تعريف
الجنون فى نفس الكتاب فهو تعريف " انقح و اقوى " فهو زوال الشعور من
القلب مع بقاء الحركة و القوة فى الاعضاء اما الشرط الذى وضعه كتاب المذهب المالكى للتوأم فهو من
اعجب الشروط فهو يقول فى ص 79 " و
التوأمان الولدان فى بطن اذا كان بينهما اقل من سته اشهر ! و بالطبع لابد ان يراجع
هذا الكلام العجيب ما ينافى منه العلم الحديث يتم شطبه فليس معنى ان هذا الكلام قد
قاله القدماء ان نقول له امين و نخلع عقولنا على بابه .
3.
وضع المرأة المهين :
لم يتعرض كائن
للاهانة و المهانة مثلما تعرضت له المرأة على ايدى الفقهاء القدماء و برغم انصاف
القرآن و الرسول – صلى الله عليه و سلم – لها الا ان التراث البدوى الجامد و
الاعراف و التقاليد الصحراوية كانت احيانا اقوى و اعنف و فى كتب الفقه المقررة على
المدارس الثانوية امثلة لا تحصى على هذه المهانة التى تعامل بها المرأة المسلمة
فيكفى ان نقرأ ص 125 من كتاب الروض المربع بأن الزوج لا يلزمه كفن امرأته اى ليس
واجبا عليه دفع ثمن كفن زوجته ! اما السبب فيورده الكتاب قائلا " لان الكسوة
وجبت عليه بالزوجية و التمكن من الاستمتاع و قد انقطع ذلك بالموت " يعنى
تخيلوا معيا الست اللى عاشت تخدم الراجل عمرها كله مش ضرورى يدفع لها الكفن لانه
تزوجها علشان المتعة فقط ! و فى نفس الكتاب تحت عنوان النفقات نقرأ " لا يلزم
الزوج لزوجته دواء و أجرة طبيب اذا مرضت لان ذلك ليس من حاجتها الضرورية المعتادة
و فى ص 355 له ان يمنعها من حضور جنازة ابيها او امها و منعها من ارضاع ولدها من
غيره يعنى ببساطة ممارسة سادية و خلاص ، وله ايضا ان يضربها ضربا غير المبرح عندما
ترد عليه بتبرم ، وعارفين الضرب غير المبرح الذى يقرره الكتاب انه عشرة اسواط يعنى
اقل من دستة كرابيج ! وطبعا ديتها نصف دية الرجل ص 417 و حتى العقيقة اقل – مش ست
تستاهل – ففى الذكر شاتان و فى الجارية شاه ، اما فى باب عشرة النساء فستقرا العجب
العجاب ، و يجيز الكتاب التزوج بفتاة عمرها اقل من تسع سنين ص 370 و تمتلىء الكتب
المقررة بكلام سخيف عن الجوارى و احكام الزواج منهن و ديتهن و عوراتهن التى تختلف
عن عورة الحرة .. الخ و اغرب ما قرأته عن الزواج كان تفضيل الزوجة يتيمة الام و
ليست يتيمة الاب لان الام تفسد الزوجة و بالطبع يضيق المجال عن ذكر كوارث اخرى
فيما يخص المرأةو الله يكون فى عون تلميذات الازهر اللاتى تتم اهانتهن و مرمطتهن فى هذه الكتب كل حصة .
و اعتقد ان شيخ
الازهر لا يوافق ايضا على ان تزدحم كتب الفقه باحكام الرق و العبيد و نحن فى القرن
الواحد و العشرين و فى ظل مواثيق حقوق الانسان التى وقعت عليها مصر و التفسير
موجود عند واحد فقط هو شيخ الازهر الذى لا افهم كيف يرضى عن هذا المنهج فى التفكير
.
ولذلك كتبنا هذا
التحقيق لتناقش القضية بشكل اوسع لانها هى قضية مجتمع اما ان تنفتح له ابواب
المستقبل او يظل قابعا فى كهف الماضى يجتر خرافات و يموت باسفكسيا الجهل .